بسم
الله الرحمن الرحيم
التنفّذ
الإسرائيلي في الأردن ودوره في سجن عماد العدوان وقمع الأصوات الوطنية
دوسلدورف/أحمد
سليمان العُمري
تعتبر قضية
سجن النائب الأردني عماد العدوان واحدة من أبرز القضايا التي تُسلّط الضوء على
الواقع السياسي في الأردن، وكذلك على تأثير العلاقات الثنائية مع إسرائيل على
الحياة السياسية الأردنية. هذه القضية تقدم مثالا حيا على التحديات التي يواجهها
الشعب الأردني في تعبيره عن مواقفه الوطنية، لا سيما تلك التي تتعلّق بالقضية
الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وإنّ تناول هذه القضية لا يمكن أن يكتمل دون
الإشارة إلى النفوذ الإسرائيلي الذي يُمارس داخل الأردن، وكيف أن هذا النفوذ يُساهم
بشكل صريح في قمع الأصوات الوطنية، وهو ما يتجلّى في سجن عماد العدوان.
إسرائيل في المُخيّل
الشعبي الأردني: العدو الأزلي
في
المُخيّل الشعبي الأردني، تظل إسرائيل عدوا استراتيجيا وأزليا، فالأردنيون، بجميع
شرائحهم، يرون في إسرائيل تهديدا مباشرا لأمنهم القومي، وخصما رئيسيا لقضية
فلسطين. هذه النظرة لم تتغيّر مع مرور الوقت، بل على العكس، ازدادت حدتها في ظل
تصاعد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، خاصّة في غزّة والقدس والضفة
الغربية.
في هذا السياق، يُعبّر الأردنيون عن رفضهم التام لأية علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع إسرائيل، معتبرين أن هذه العلاقات تشكّل خيانة للقضية الفلسطينية، والتي تعتبر القضية المركزية بالنسبة لهم.
ورغم
هذه الرؤية الشعبية الواضحة، نجد أن الممارسات الرسمية للأردن تتناقض مع هذا
التصور الشعبي، فالأردن، منذ توقيع اتفاقية وادي عربة في عام 1994، استمر في
علاقاته الرسمية مع إسرائيل، حيث تم فتح قنوات دبلوماسية وتجارية، وهو ما يثير
استياء كبيرا في الشارع الأردني. وبالرغم من الغضب الشعبي المتزايد، لم تتخذ
الحكومة الأردنية أي خطوة جادّة نحو قطع هذه العلاقات، مما يفتح باب التساؤلات حول
ما إذا كانت الحكومة قد اتخذت هذه السياسات بسبب الضغوط الإقليمية والدولية أم
بسبب مصالح اقتصادية تستفيد منها المملكة.
التعاون مع
إسرائيل: ضرورة دبلوماسية أم خيانة وطنية؟
العلاقات
بين الأردن وإسرائيل لطالما كانت مصدرا للجدل داخل المجتمع الأردني، في حين يُعبّر
الشعب الأردني عن رفضه القاطع لهذه العلاقات، لا سيما في ظل الممارسات الإسرائيلية
المستمرّة ضد الشعب الفلسطيني، تتبنّى الحكومة سياسة دبلوماسية تقتضي التعاون مع
إسرائيل في مجالات عدّة، أبرزها ملف المياه. فقد أدى نقص الموارد المائية في
الأردن إلى اعتماد المملكة بشكل كبير على اتفاقيات المياه الموقّعة مع إسرائيل،
خاصّة فيما يتعلّق بنهر الأردن ونهر اليرموك.
هذه
الاتفاقيات، رغم أنها يجب أن تضمن للأردن حصّته في هذه الموارد الحيوية، إلّا أنّ الحكومة
تُقدّم تنازلات للاحتلال غير مبرّرة.
إلى
جانب ملف المياه، هناك ملفات أخرى تتعلّق بالتنسيق الأمني بين الأردن وإسرائيل،
وهو ما يثير الكثير من الانتقادات من قبل الشارع الأردني. ففي الوقت الذي يتبنّى
فيه الأردنيون مواقف قومية رافضة للاحتلال الإسرائيلي، لا يجدون أي دعم ملموس من
حكومتهم في مواجهة ممارسات الاحتلال، بل على العكس، تتعزّز العلاقات الأمنية
والتجارية بين الحكومتين في وقت تتزايد فيه الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين،
حتى أنها ارتقت الآن في قطاع غزّة إلى إبادة جماعية.
حصانة النواب
الأردنيين: التناقض بين الشعب والحكومة
في
هذا السياق، لا يمكن تجاهل التناقض الكبير بين موقف الشعب الأردني والحكومة الأردنية
تجاه الاحتلال الإسرائيلي، ففي حين يطالب الشعب بالابتعاد عن إسرائيل والتوقّف عن
التعاون معها، تتبنّى الحكومة سياسة مغايرة تماما.
هذا
التناقض يظهر جليا في تعامل الحكومة مع النواب الذين يرفعون أصواتهم اعتراضا على
هذه العلاقات؛ النائب عماد العدوان، على سبيل المثال، هو نموذج حي لهذا التناقض،
فقد أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية التي انعقدت يوم الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين
الثاني حكمها في حقه؛ بتهمة تصدير أسلحة نارية بشكل غير قانوني، وقد قضت المحكمة
بتوقيع عقوبة الأشغال المؤقّتة لمدّة 10 سنوات على النائب العدوان.
تُهم
مُفصّلة على مقاس الرغبة الإسرائيلية؛ لم تكن إلا غطاء لاضطهاده بسبب مواقفه الوطنية
المعارضة للتعاون مع إسرائيل.
عماد
العدوان، الذي كان دائما يدافع عن القضية الفلسطينية ويعارض أي شكل من أشكال
التطبيع مع إسرائيل، أصبح رمزا للأصوات التي تُقمع في الأردن بطريقة فظّة غليظة.
وقد أظهرت هذه القضية بشكل قاطع كيف أن الحكومة الأردنية، رغم تأكيدها على أنها تدافع
عن مصالح الشعب، تقوم بتقويض هذه المصالح عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل، بل وتعمل على
سحق أي معارضة لهذه العلاقات.
أمثلة مؤلمة
على التناقض في التعامل مع الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية في الأردن
لم
تكن قضية عماد العدوان الوحيدة التي تكشف عن هذا التناقض الكبير، فهناك العديد من
الأمثلة المؤلمة الأخرى التي تؤكّد عدم استجابة الحكومة الأردنية تجاه الجرائم
الإسرائيلية.
أحد
أبرز هذه الأمثلة هو حادث قتل موظّف الأمن الإسرائيلي في السفارة الإسرائيلية في
عمّان عام 2017، حيث أقدم الموظّف الإسرائيلي على قتل أردنيين اثنين في قلب عمّان.
ورغم الجريمة البشعة، إلا أن القاتل الإسرائيلي أُخرج من الأردن في مشهد استفزازي،
وسط غضب عارم من الشعب الأردني.
ما فاقم
الاستفزاز هو أن القاتل الإسرائيلي خرج من مطار عمّان برفقة سفيرة إسرائيل آنذاك
لدى الأردن، وعاد إلى إسرائيل في حفاوة، فقد استقبله بنيامين نتنياهو شخصيا وبرفقة
صديقته، بينما شعر الأردنيون بأنّ العدالة في بلادهم سلعة مفقودة.
هذا الحادث يعكس مدى تأثير النفوذ الإسرائيلي في الأردن، حيث يتم توفير الحماية لقتلة إسرائيليين في وقت لا يحصل فيه الأردنيون على نفس الحقوق أو الحماية في مواجهة القمع الداخلي.
التنفّذ
الإسرائيلي في الأردن: سيف مُسلّط على رقاب الأردنيين
إن
التأثير الإسرائيلي على السياسة الداخلية الأردنية لا يتوقّف عند حد التعاون
الأمني أو التنسيق في ملف المياه، بل يمتدّ ليشمل الهيمنة السياسية والاقتصادية.
إسرائيل، باستخدام قوتها السياسية والاقتصادية، تعمل على ضمان سيطرتها على العديد
من الملفات المُهمّة في الأردن، مما يساهم في تعزيز نفوذها داخل المملكة. من خلال
هذا النفوذ، تحاول إسرائيل فرض أجندتها، ليس فقط في المسائل السياسية، ولكن أيضا
في قمع أي صوت يرفض هذه العلاقات أو ينتقد ممارساتها ضد الفلسطينيين.
لقد
أصبح النفوذ الإسرائيلي بمثابة سيف مُسلّط على رقاب الأردنيين، حيث يُخشى من أي
محاولة لرفع الصوت ضد الاحتلال أو للمطالبة بحقوق الفلسطينيين، وبذلك، فإنّ أي محاولة
للاحتجاج أو المعارضة تُقابل بعقوبات قاسية، سواء عبر الاعتقالات الإدارية أو
الحبس أو التضييق.
خلاصة الكلام
إن
قضية سجن النائب عماد العدوان، وما تعرّض له من ظلم، ليست سوى جزء من صورة أوسع
للظلم الذي يعانيه العديد من الأردنيين الذين يجرؤون على التعبير عن مواقفهم الوطنية.
في الوقت الذي يُعامل فيه الإسرائيليون بشكل خاص ومميّز، يظل الأردنيون عرضة
للعقوبات والملاحقات بسبب مواقفهم المعارضة للسياسات الحكومية والتعاون مع
إسرائيل.
وفي
النهاية، يظل النفوذ الإسرائيلي في الأردن حقيقة واقعة، تؤثّر على الحياة السياسية
والاجتماعية.
إن
سيطرة هذا النفوذ على مفاصل الحكم في الأردن جعلت من السجون أداة لقمع الأصوات الحُرّة،
وأصبح النضال الوطني في مواجهة الاحتلال يتحوّل إلى تهمة، وبعض هذه الممارسات،
يتجلّى بوضوح كيف أن العدالة أصبحت مُغيبة أو مُسيّسة، وكلاهما قبيح، والحقوق
تُنتهك، في الوقت الذي يتم فيه توفير الحماية لجرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الختام، تبقى قضية النائب عماد
العدوان مثالا صارخا جاثما على ضمائر الأمة وعلى التدخلات الإسرائيلية في الشؤون
الأردنية، مما يفرض على الشعب الأردني التمسّك بحقوقه ومواصلة الدفاع عن حُرّيته
الوطنية.
ahmad.omari11@yahoo.de