‏إظهار الرسائل ذات التسميات القدس، حل الدولتين، فلسطين، إسرائيل، التطبيع، الكنيست، نتنياهو، بن غفير، الأردن، مصر، سوريا، العراق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القدس، حل الدولتين، فلسطين، إسرائيل، التطبيع، الكنيست، نتنياهو، بن غفير، الأردن، مصر، سوريا، العراق. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

إسرائيل ودورها كمُستعمر في الشرق الأوسط/أحمد سليمان العُمري

إسرائيل ودورها كمُستعمر في الشرق الأوسط

خريطة الشرق الأوسط الجديدة

 

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

يعيش الشرق الأوسط توترا مستمرا؛ تُغذّيه إسرائيل، وهي منذ تأسيسها أداة في يد القوى الغربية لتعزيز الاستعمار في هذه المنطقة.

إن دور إسرائيل في الإقليم لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لمخطط استعماري غربي بدأ منذ إنشاء الدولة الإسرائيلية، بهدف تحقيق السيطرة الغربية على قلب العالم العربي، لذلك لا يمكن فصل الأحداث الراهنة عن تاريخ طويل من التدخّلات والسياسات الاستعمارية التي فرضها الغرب، حيث كانت إسرائيل وما تزال جزءا من هذا المشروع.

 

قد تجلّى هذا الاستعمار الجديد بوضوح في الفترة التي تلت نهاية الحقبة الاستعمارية البريطانية في فلسطين، حيث تم إنشاء دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، بعد يوم واحد من انتهاء الانتداب البريطاني.

 

هذه النقطة تعكس بوضوح كيف استمر الاستعمار بأشكال جديدة، حيث تم استخدام المشروع الصهيوني كذريعة لتثبيت وجود دولة استعمارية في قلب العالم العربي.

لقد استخدم الغرب، وبالتحديد أوروبا، إسرائيل كأداة لتحقيق مصالحهم، مُستغلّين العجز العربي ومشاريع الحركة الصهيونية كوسيلة للسيطرة واستمرارية بسط النفوذ. وقد كان المؤتمر الصهيوني الذي عقده «تيودور هرتزل» يوم 29 أغسطس/آب عام 1897 في مدينة «بازل» بسويسرا بداية خطوات تنفيذية لهذا المشروع الاستعماري، حيث أصبح واضحا أنّ إسرائيل لم تكن مجرّد دولة جديدة؛ أقيمت بقرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، والدور الأمريكي البارز في دعم هذا القرار، حيث صوتت لصالحه وساندت إنشاء دولة إسرائيل، بل كانت وسيلة لتحقيق أهداف القوى الاستعمارية.

يعكس هذا التوجه بوضوح استمرار الاستعمار الجديد الذي يمزج بين القوة العسكرية والسيطرة الاقتصادية، ممّا يُعزّز مكانة إسرائيل كداعم لمصالح القوى الغربية.

 

غطرسة السياسة الإسرائيلية

ساسة إسرائيل المتطرفون، مثل بنيامين نتنياهو، لم يستطيعوا خلق سلام دائم في المنطقة، والدعم الأمريكي والأوروبي غير المشروط والضغط من اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة على الإدارة الأمريكية جعل هؤلاء السياسيين يتصرّفون بعنجهية، ممّا أدّى إلى تجاهل العديد من المبادرات العربية والأمريكية للسلام، مثل المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف القتال في غزّة، وهو المُقترح الإسرائيلي بالأصل؛ الذي تنصّل منه نتنياهو فيما بعد وأحرج بايدن.

لقد تجاوزت الحكومة الإسرائيلية إدارة بايدن، ممّا أثر سلبا على مصداقية السياسة الأمريكية في المنطقة. وتظهر هذه السياسة الخرقاء كيف أن إسرائيل تتجاهل الحاجة إلى التفاوض والتسوية.

 

علاوة على ذلك، أصبحت إسرائيل درعا تحمي المصالح الغربية في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي قاله نتنياهو في

خطابه علانية أمام الكونغرس الأميركي: «إنّ انتصار إسرائيل سيكون انتصارا للولايات المتحدة؛ نحن لا نحمي أنفسنا فقط. نحن نحميكم، أعداؤنا هم أعداؤكم، معركتنا هي معركتكم».

ويشير العديد من المُحلّلين السياسيين أنّ بلطجة نتنياهو وحكومته الغلاة المُتطرّفين ستقود إلى انهيار الدولة الإسرائيلية نفسها، حيث أنّ الاستمرار في سياستها العسكرية والاحتلال لن يؤدّي إلّا إلى خلق جيل مقاوم جديد، أكثر شراسة وجلدا، فقد خلّفت حرب الإباداة الإسرائيلية جيلا برُمّته، سينشأ دون والدين، فقد عاصر أبشع وأفظع صور القتل والتنكيل، فضلا عن زيادة الانقسامات في الداخل الإسرائيلي، جرّاء الإخفاقات العسكرية في قطاع غزّة والآن في لبنان، والتي سوّق لها رئيس الحكومة الإسرائيلي بسبب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومن بعدها أردف باغتيالات؛ طالت قادة حزب الله، ومعهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله على أنّها انتصار، حتى فوجئ الشارع الإسرائيلي قبل أيام بخيبة الأمل والرعب والذعر من الصواريخ الباليستية الإيرانية، ليتحوّل ما كان بالأمس نصرا إلى هزيمة مدوّية.

الانهيار المحتمل لإسرائيل 

تواجه إسرائيل أزمة عميقة ناجمة عن مجموعة من التحديات السياسية والاقتصادية التي تُهدّد استقرارها. من أبرز هذه التحديات الأزمات العسكرية المستمرّة في قطاع غزّة ولبنان، والتي أدّت إلى ارتفاع تكاليف العمليات العسكرية بنسبة 30% وتأثيرها السلبي على الاقتصاد وزيادة الدين العام الذي وصل إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتحليلات من بنك إسرائيل.

يشير «أورين حازان»، نائب رئيس الكنيست سابقا، إلى أنّ «العمليات العسكرية المتكرّرة تُثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي وتُساهم في تآكل الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الأزمات». كما تزايدت التهديدات الإيرانية، بما في ذلك إطلاق مئات الصواريخ الباليستية، ممّا يستدعي من الحكومة زيادة الإنفاق العسكري الذي ارتفع بنسبة 15% في السنوات الأخيرة وتوسيع التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.

تستدعي هذه التهديدات إعادة النظر في الخطط الأمنية، مع تعزيز برامج الدفاع مثل القبة الحديدية، التي كلّفت الدولة نحو 2 مليار دولار. ويشير الخبير الأمني «رون بن يشاي» إلى أنّ «إيران تلعب دورا محوريا في زعزعة الاستقرار، ممّا يتطلّب إعادة تقييم الأولويات المالية».

إضافة إلى الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، مثل ارتفاع تكلفة المعيشة بنسبة 20% والبطالة التي وصلت إلى 6.3%، وارتفاع معدلات الفقر إلى 22%، حسب تقارير مؤسّسة التأمين الوطني الإسرائيلي، ما يزيد من الانقسامات الاجتماعية والاستياء العام ويُهدّد الاستقرار الداخلي.

تتضافر هذه العوامل لتُشكّل بيئة معقّدة، قد تفضي إلى انهيار محتمل لدولة إسرائيل، في ظلّ التحديات السياسية والاقتصادية والموجهات العسكرية، التي تشهدها الحدود اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ما يُفاقم من حالة التوتر الأمني.

 

استخدام التصعيد كستار لفشل نتنياهو

الواقع الحالي يشير إلى أنّ حكومة نتنياهو تستخدم التصعيد العسكري كوسيلة لتغطية فشلها، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنّ استمرار العمليات العسكرية لم تُحقّق غير مظاهر نصر خادعه، يسعى الأخير لفرضها على المشهد، والوضع الميداني الشائك يعكس ذلك، مع أخذ تزايد الانتهاكات الإنسانية في شمال الضفة الغربية بعين الإعتبار، آخرها المجزرة التي استخدم بها جيش الاحتلال مقاتلات لقصف مخّيم طولكرم، والتي أسفرت عن استشهاد 18 فلسطينيا، بينهم أطفال وعشرات الإصابات، وتعتبر هذه الغارة هي الأول من نوعها في الضفة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، إضافة إلى تدمير البنى التحتية في المُدن الشمالية الفلسطينية مثل طولكرم ونابلس وجنين، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بقطع مجاري المياه والكهرباء وتجريف الشوارع ما يؤدّي إلى هدم كُلّ مقوّمات الحياة.

منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، مرورا بمبادرة السلام العربية لعام في 28 مارس/آذار 2002، لم تتحقّق أي بادرة منشودة للسلام، لا بل خيبات أمل عربية وفلسطينية مؤلمة. فبينما سعت الدول العربية إلى تحقيق سلام شامل؛ لم تُقدم إسرائيل أي مبادرات تساهم في تحقيق السلام، إنّما استمرت في نهجها القائم على التطرّف والاحتلال والقتل وتوسيع البؤر الإستيطانية.

في هذا السياق، يمكن القول بأنّ الوضع قد أصبح أكثر تعقيدا، حيث يزداد التهديد الإسرائيلي بالتهجير الطوعي والضغط على الفلسطينيين بالتنكيل في ظلّ غياب أي أفق للحل ودور الأمم المتحدة غير الفاعل والدور الدولي المُعطّل.

فخلال حرب الإبادة في غزّة زادت حدّة الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث تضاعفت أعداد البؤر الاستيطانية، ممّا زاد من الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلسطينيين. وبدلا من التوجه نحو السلام، استخدمت إسرائيل هذه الاتفاقيات كفرصة لتكريس احتلالها وفرض سياسة الأمر الواقع، متجاهلة جميع المطالب العربية والفلسطينية والقرارات الأممية ومحكمة العدل الدولية.

انتهاكات المقدسات الإسلامية

كذلك الانتهاكات مستمرّة للمقدسات الإسلامية، مثل المسجد الإبراهيمي في الخليل والمسجد الأقصى في القدس، حيث تتعرّض لاقتحامات مستمرّة من قبل المستوطنين وإقامة صلوات تلمودية، في غياب أي تحرك جاد من قبل جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي.

وبالرغم من أنّ 148 دولة قد وافقت على إقامة دولة فلسطينية من أصل 193 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إلّا أنّ إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو وحكومته المتطرّفة، ترفض رفضا قاطعا فكرة وجود دولة فلسطينية، ما يعكس نيتها الواضحة في إدامة الاحتلال والاستمرار في سياسات الاستيطان والقمع لتغيير الواقع الديمغرافي وطمس الهوية الفسطيينية.

إنّ استمرار هذه الانتهاكات وسياسة التسلّط والتحدّي التي يتبناها نتنياهو وحكومته بدعم أمريكي وغربي تُبرز دوره في تهميش قرارات الأمم المتحدة ومحكمة الأمن الدولية القاضية بإنهاء الإحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

التصعيد الإقليمي وأثره على الصراع

لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جديد إلى التوراة لتبرير وتفسير العدوان الذي تشُنّه إسرائيل على فلسطين ولبنان وحينا اليمن وسوريا، متوعّدا بتغيير المعادلات في المنطقة. فقد صرّح: «كما هو مكتوب في التوراة سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم (...) نعمل بمنهجية على اغتيال قيادات حزب الله وتغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط كله«.

في الأيام الأخيرة، شهدت الساحة الإسرائيلية تصعيدا في الحرب وتوسّعا في ساحته، والتي انتهت بالاجتياح البري والغارات الجوية المتواصلة لبنان؛ أعقبها الرّدّ الإيراني الموجع على إسرائيل نتيجة اغتيال إسماعيل هنية، ممّا ينذر بإمكانية نشوب حرب إقليمية قد تشعل المنطقة.

خاتمة

إنّ استمرار السياسات الإسرائيلية المتطرّفة، مدعومة من قبل الولايات المتحدّة والدول الأوروبية، لا يُهدّد فقط وجود الفلسطينيين ودول المنطقة، بل يُعرّض أيضا مستقبل إسرائيل للخطر ويضعها على حافة الانهيار، في ظلّ عدم استجابتها لمطالب السلام العادل والتجاهل المستمر لحقوق الفلسطينيين.

إنّ أمريكا والدول الغربية الداعمة لإسرائيل بشكل غير مشروط، في حقيقة الأمر، تودي بإسرائيل إلى التهلكة، فإلى جانب الفلسطينيين الذين يعانون تحت الاحتلال واللبنانيين المتضرّرين من القمع والهجمات الإسرائيلية، فإنّ الإسرائيليين يعيشون بحالة حرب، حيث يُستخدمون كدروع بشرية من قبل أمريكا وأوروبا لتنفيذ مشاريع استعمارية وإبقاء هيمنتهما في المنطقة، مع فوارق البطش والإبادة الإسرائيلية.

 

وفي هذا السياق، يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أنّ استمرار هذه السياسات سيقود إلى مزيد من الانقسام والعنف، الأمر الذي يهدّد استقرار المنطقة بأسرها.

إنّ اتخاذ خطوات جادّة نحو السلام العادل والمستدام هو الخيار الوحيد لضمان مستقبل أفضل للجميع، الأمر الذي لا تسعى لتحقيقه أمريكا والغرب وأداتهم الإسرائيلية في فلسطين، والتي تعمل على إشعال الحروب وتُنذر بدمار الشرق الأوسط.

Ahmad.omari11@yahoo.de

الأحد، 28 يوليو 2024

إقامة دولة فلسطينية مقرون بإرادة عربية

 

إقامة دولة فلسطينية مقرون بإرادة عربية

الكنيست الإسرائيلي

 

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية، ضمن إطار تسوية عادلة ودائمة، وإنهاء الإحتلال من خلال المفاوضات، التي تفضي إلى حل الدولتين وإقامةَ الدولة الفلسطينية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، وفق الشرعية الدولية، إضافة إلى حلّ مشكلة اللاجئين من خلال العودة والتعويض، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السّلام العربية.

هذا هو السيناريو المتداول عربيا منذ «حرب الأيام الستة» ويطلق عليها «نكسة حزيران» أو «النكسة»، وفي الأدبيات السياسية العربية، النكسة هي الهزيمة التي مُنيت بها الجيوش العربية مجموعة؛ مصر، سوريا، الأردن والعراق، وبمساعدة من لبنان والجزائر والسعودية والكويت أمام الجيش الإسرائيلي في حرب يونيو/حزيران عام 1967، التي احتلت إسرائيل على إثرها ثلاثة أضعاف ما احتلته في حرب الـ 1948، بينما استطاعت مجموعات المقاومة الإسلامية حماس وفصائل فلسطينية محصورة داخل قطاع غزّة المُحاصر أن تُمرّغ أنف الجيش الإسرائيلي، وهو الذي هزم الجيوش العربية الجرّارة وتُنهي اسطورته الأزلية «الجيش الذي لا يُهزم»، التي لطالما سوّقتها أنظمتنا العربية.

إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية، ضمن إطار تسوية عادلة ودائمة، وإنهاء الإحتلال من خلال المفاوضات، التي تفضي إلى حل الدولتين وإقامةَ الدولة الفلسطينية

تبدّد الحلم العربي

يبدو أن إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 وعودة اللاجئين عبر القنوات الدبلوماسية؛ وفق القرارات الشرعية الدولية، وبالذات القرار 194، وتطبيق قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، التي تؤكّد عدم شرعية الاحتلال والاستيطان، خاصّة القرار 2334، أصبحت صعبة المنال، ومقترح «مبادرة السّلام العربية»، الذي اعتمدته جامعة الدول العربية في قمّتها، التي عُقدت في بيروت عام 2002، بدّدها تصويت الكنيست الإسرائيلي يوم الأربعاء 17 يوليو/تموز، بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية، وقصم ظهرها الرّدّ الأمريكي الواهن، الذي عبّر عنه بوضوح الناطق الرسمي المناوب بإسم وزارة الخارجية الأميركية «فيدانت باتيل» عقب التصويت على القرار: «أعتقد أنه يمكن الإشارة ضمنيا بأمان إلى أن التشريع الذي يتعارض مع حل الدولتين ليس شيئا سنشعر بسعادة غامرة بشأنه«، مع العلم بأنّ هذا الرّدّ لم يكن موجّها بشكل صريح ضد قرار الكنيست الأخير، إنّما ردّا على سؤال مراسل صحيفة القدس الفلسطينية بشأن موقف الإدارة الأمريكية من قرار الكنيست.

تمخُّضات عن مبادرة الإستسلام

مبادرة السّلام العربية والأصح «مبادرة الإستسلام»، التي اعتبرها القادة السياسيون الإسرائيليون آنذاك تجاوزا للخطوط الحمراء الإسرائيلية، فقد رفض المبادرة «أرييل شارون»، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق رفضا قاطعا، كما ورفضها «شيمون بيريز»، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك، لأنّه كان يرى الحاجة إلى مزيد من المفاوضات، أو التنازلات بالمعنى الأصح.

ما تمخّض عن سلسلة التنازلات العربية الدائمة، ومنذ  مبادرة السّلام عام 2002 هو تطبيع كثير الدول العربية مع دولة الإحتلال، إضافة إلى إرتفاع عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بنسبة 15%، ما تجاوز نصف مليون مستوطن حتى العام الماضي، حيث أقاموا في عام 2023 عددا قياسيا من البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة، فقد أُقيمت 26 بؤرة استيطانية لم تعترف بها الحكومة الإسرائيلية - شكليا - بما في ذلك حوالي 10 بؤر منذ بدء العدوان على غزّة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولا يشمل ذلك العدد المستوطنين في القدس الشرقية التي توجد فيها مستوطنات يعيش فيها أكثر من 200 ألف مستوطن.

استمرار الجيش الإسرائيلي مواصلة مجازره اليومية في القطاع، وتصعيد الجيش والمستوطنون الإعتداءات والإنتهاكات الانتقامية عبر حصار خانق وقتل مُمنهج واعتقال دائم

فضلا عن ارتفاع أعداد الأسرى الفلسطينيين المعتقلين من قطاع غزّة والضفة الغربية إلى أرقام قياسية منذ بدء حرب الإبادة، حيث وصل عدد الأسرى إلى ما تجاوز 9,700 أسير فلسطيني، منهم ما لا يقل عن 75 أسيرة، ويزيد عن 250 طفلا؛ تزامنا مع استمرار الجيش الإسرائيلي مواصلة مجازره اليومية في القطاع، وتصعيد الجيش والمستوطنون الإعتداءات والإنتهاكات الانتقامية عبر حصار خانق وقتل مُمنهج واعتقال دائم في الجانب الفلسطيني الآخر بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدّى إلى استشهاد 576 فلسطينيا وإصابة نحو 5,350، وتدمير البنية التحتية التي أتت ضمن المخططات للسيطرة وتوسيع الرقعة الاستيطانية والتهجير، أثناء توجه العالم العربي والغربي نحو إثخان الجيش الإسرائيلي الإبادة الجماعية في غزّة ودور المتفرّج الذي يلعبه.

إحياء القضية الفلسطينية

الحكومة الإسرائيلية اليمينية المُتطرّفة وغيرها من الحكومات المتعاقبة ماضية في بسط سيطرتها على الضفة بعنجهية الدولة وبلطجية قادتها أمثال وزير التراث الإسرائيلي «عميحاي إلياهو»، وزير الأمن القومي الإسرائيلي «إيتمار بن غفير» ووزير المالية ووزير الإدارة المدنية بوزارة الدفاع «بتسلئيل سموتريتش» يقودهم رئيس العصابة «بنيامين نتنياهو» من خلال إقرار قوانين تُمكّنهم من ذلك، ودعم أمريكي غربي مُطلق، مع بعض تغيّر لافت في المشهد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، حيث أعلنت إسبانيا، النرويج، إيرلندا، سلوفينيا وأرمينيا الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، وسط ترحيب فلسطيني وعربي وغضب إسرائيلي كبير، ويعتبر اعتراف هذه الدول الأوروبية بفلسطين خرق ولو بسيط في السّدّ الأوروبي العازل عن الحقّ الفلسطيني لإقامة دولته على أرضه.

لقد أعادت معركة طوفان الأقصى طرح القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية بقوة، مع كُلّ ما حملت المعركة معها من وجع وآلام ومآسي، وأيضا رافقتها مشاهد بطولية غير مسبوقة النظير في تاريخ حركات التحرير، فقد تجاوزت ما نُقل من الأساطير.

لقد عادت القضية بصخب على طاولة النقاش دوليا وتناقلتها المنظمات الأممية والإنسانية والحقوقية وغزت الشارع العالمي بين الناس، بعدما نسيها جيل كامل والبعض الآخر كاد أن يُسلّم بحكم الأمر الواقع؛ مُمثّلا بالتنافس على التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى التعاون الأمني والعسكري مقابل الدعم الأمريكي والإزدهار الإقتصادي المزعوم، ومحاولات إخفاء الهوية الفلسطينية وتهويد القدس بطرق استفزازية مقيتة، آخرها اقتحام «بن غفير» المسجد الأقصى، الذي أتى ضمن مساعي الحكومة الإسرائيلية لتهويده.

إجماع إسرائيلي ضد الوجود الفلسطيني

تصويت الكنيست بأغلبية على مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية، أتى بتأييد أحزاب في ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى جانب الأحزاب اليمينية من المعارضة، وحظي بدعم من حزب «الوحدة الوطنية الوسطي» بزعامة «بيني غانتس»، ليعكس حالة الإجماع داخل التيارات والمعسكرات القومية والدينية الإسرائيلية الرافضة لأي تسوية سياسية مع الجانب الفلسطيني. وينُصّ القرار المُجمع عليه في الكنيست على أنّ إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيُشكّل خطرا وجوديا على الدولة ومواطنيها، وسيؤدّي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة.

لم يُقابل تصويت الكنيست برفض إقامة دولة فلسطينية عربيا وكالعادة إلّا بالإدانة والتنديد، بينما وصفته حركة المقاومة الإسلامية "حماس بـ «القرار الباطل»، كونه صادر عن جهة احتلال تفقد الشرعية على الأرض الفلسطينية، ورسالة تحدٍّ للمجتمع الدولي واستخفاف بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي دعمت منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وأكّدت الحركة على مواصلة الشعب الفلسطيني مقاومة الإحتلال وانتزاع الحقّ في إقامة دولته المستقلّة، وإفشال كافّة مخططات التهجير وطمس الهوية الوطنية الفلسطينية.

يأتي قرار التصويت في الكنيست تزامنا مع شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية وهجمات بالدبابات وارتكابه مجازر يومية بتسليح أمريكي من العيار الثقيل؛ خلّف أكثر من 128,000 شهيدا وجريحا فلسطينيا، جُلّهم أطفال ونساء وعُزّل، والقتل بالتجويع أو هدم مقومات الحياة، من بُنية تحتية وانعدام الماء الصالح للشرب وقطع الكهرباء وقصف المستشفيات واستهداف الأطباء، وما يزيد عن 10,000 مفقودا وسط الدمار الهائل الذي يُشبه مخلّفات الحرب العالمية الثانية في المدن الألمانية مثل «فورتسهايم»، «دريسدن» أو «هامبورغ»، وللمراقب أن يرى أن التشبيه ليس من باب المبالغة أو التهويل.

ولكن وما أن فتئ قادة الإحتلال الغلاة بإحساسهم بنشوة الإنتصار القومية والدينية بعد التصويت ضد إقامة دولة فلسطينية حتّى أتاهم وبعد يومين من التصويت قرار محكمة الأمن الدولية كالصاعقة من السماء بإنهاء الإحتلال على الأراضي الفلسطينية، وإذا بالصخب الإسرائيلي إثر الشعور بالنصر يتحوّل إلى جلجلة وصياح وصُراخ من حجم الإحساس بوقع الهزيمة، فتنقلب الآية ويُكلّل عمل المقاومة الفلسطينية بالغلبة بعد أن أجّج العالم بالقضية، لتُقرّ أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية يوم الجمعة 19 يوليو/تموز، وهي التي يرأسها القاضي اللبناني نواف سلام التالي: «إن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات غير قانوني، مع التزام إسرائيل بما في ذلك دفع تعويضات عن الأضرار وإخلاء جميع المستوطنين من المستوطنات القائمة (...) إن سياسات إسرائيل الاستيطانية واستغلالها للموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية، تُمثّل انتهاكا للقانون الدولي».

وطالبت المحكمة إسرائيل بوضع حدّ لإحتلال الأراضي الفلسطينية المحتلّة بعد عام 1967، داعية إلى إنهاء أي تدابير تُسبب تغييرا ديمغرافيا أو جغرافيا، في خطوة قضائية غير مسبوقة. كما ودعت المحكمة من «لاهاي» المجتمع الدولي للتعاون من أجل تطبيق ذلك والامتناع عن تقديم أي دعم لإسرائيل كقوة احتلال.

ولكم أن تتصوروا عويل بن غفيرو سموتريتش وزعيم عصابتهم نتنياهو وثُلل قادة الإحتلال، وكالعادة يُعتبر أي قرار، وإن كان من أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة "معادة للسامية"، فهذه هي المطية التي لطالما سوّغتها أمريكا وأوروبا والغرب برُمته لبلوغ الصهاينة مآربهم.

حلّ الدولتين وهمٌ سوّقته إسرائيل

وبالعودة إلى قرار الكنيست الأخير الذي كشف عنه أزلام حكومة نتنياهو وغيرهم من الأحزاب الأخرى بكُلّ وضوح وفظاظة؛ إنّه التعبير الصريح الفجّ لنهج إسرائيل الحقيقي في سياسته التوسعية الاستيطانية والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، والذي بدا بجلاء منذ أن تسلّمت حكومة الغلاة الحالية الحكم، وهو التطبيق الفعلي للدولة الواحدة «الفصل العنصري» والتطهير العرقي والعمل على التهجير القسري والطوعي لضمّ المستوطنات وغور الأردن والقدس الشرقية؛ الأمر الذي يُصرّح به ساسة الإحتلال صباح مساء، حتى أنّ الحديث حول الأوهام التي سوّقتها إسرائيل منذ «أوسلو» ولغاية الآن بشراكة أمريكية للأنظمة العربية بجعل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزّة دولة فلسطينية عبر القنوات الدبلوماسية والحلول السياسية، أصبح مع قرار الكنيست على أرض الواقع أمرا مُستحيلا، فضلا عن مُعارضة التوجّه الإسرائيلي الحالي ربط الضفة الغربية بغزّة، وعدم شراكتها بأي اتفاق يُبرم من أجل القطاع، ليبقى خيار الأجندة الإسرائيلية المطروحة، ورجوعا إلى إجماع الكنيست وغيره من التصريحات هو التبعة التي تُشير إليها حكومة نتنياهو اليمنية المُتطرّفة لحسم الحرب والصراع برُمّته بالتهجير، من خلال بسط الهيمنة العسكرية التي يحترفها الإحتلال، وخاصّة تشكيلة الحكومة الحالية لإعادة تكوين ديموغرافية جديدة لإسرائيل من خلال الدعم الإستيطاني الذي يُمارسه ويدعو إليه «بتسلئيل سموتريتش» بإستماتة.

نهاية، ليس لإسرائيل الحق في منع إقامة دولة فلسطينية على أرضها وعاصمتها القدس الشرقية المُحتلّة، حيث يُعتبر حق تقرير المصير للشعوب من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، وهذا الحق يُعترف به لكُلّ الشعوب، بما في ذلك الشعب الفلسطيني القامع تحت الإحتلال والقتل والتنكيل والإبادة منذ 76 عاما.

باعتراف الدول الأوروبية الخمس مُؤخّرا ارتفع عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين إلى 149 دولة من أصل 193 دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومع ذلك، يعاني المجتمع الدولي من حالة ضعف تجاه القرارات الإسرائيلية، وأحيانا تواطئا ودعما صريحا، خاصّة تلك القرارات المتعلّقة بالسياسات الاستيطانية ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، رغم القرارات الأممية الكثيرة والإدانات الدولية والمنظمات العالمية، التي تستنكر الإجراءات الإسرائيلية، وقبل أيام قرار محكمة العدل الدولية، لكنها تفتقر إلى القوة السياسية والإرادة لاتخاذ خطوات فاعلة ضد سياسة الإحتلال الإسرائيلي.

مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على سبيل المثال، أصدر عدة قرارات تُطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إلّا أن التنفيذ الفعلي لهذه القرارات يبقى مع «وقف التنفيذ» بسبب التواطؤ الأمريكي والمعسكر الغربي، وبظلّ محدودية التوازنات السياسية والضغوطات الدولية.

هذا الضعف الدولي أدّى وما زال يؤدّي إلى استمرار التفرّد الإسرائيلي بالفلسطيني، وحرب الإبادة غير المنتهية الآن في غزّة مثال جاثم وشاهد على كُلّ الأنظمة العالمية، والعربية والإسلامية على وجه التحديد، وخاصّة دول الجوار، إضافة إلى حالة الجمود في عملية التدخّل الدولي، رغم القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار والبيان الذي أصدره كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية  في 20 مايو/ أيار 2024 يطلب فيه إصدار مذكّرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه «يوآف جالانت».

بإختصار

 لتحقيق سلام عادل ودائم في فلسطين والشرق الأوسط كُلّه، يحتاج المجتمع الدولي بداية إلى منع تصدير السلاح لإسرائيل، وعلى رأسها أمريكا ودول أوروبية وغربية أخرى، ولا أستثنى دور بعض الدول العربية، إضافة إلى تبني موقفا حازما والعمل بجدية لوقف حرب الإبادة التي يُمارسها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة، والعمل على تنفيذ القرارات الدولية الداعية لإقامة دولة فلسطينية مستقلّة، ما دون ذلك يزداد الإنفراد الإسرائيلي بالفلسطيني ويتعاظم توحّشه وتعطّشه لدمه وأرضه دون رادع دولي أو حقوقي أو إنساني معدوم؛ ما يؤثر سلبا، ليس على حياة الفلسطينيين فحسب، لا بل على مستقبل المنطقة برُمتها، وعلى رأسها إسرائيل، التي بدأت تهدم كيانها بيد أبنائها الغلاة المُحترقين، وإسرائيل هي الحصن المنيع الذي أقامه الإستعمار الغربي بالدم الفلسطيني في الأرض العربية السّمراء بذريعة منع زحف المعسكر الشرقي.

الرهان الرابح، هو الرهان الذي يعتمد حصرا على وعي الشعوب.

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .