الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

من حكم الانتداب إلى وصاية ترامب/أحمد سليمان العُمري

 

بسم الله  الرحمن الرحيم

من حكم الانتداب إلى وصاية ترامب




دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في مأساة تختزل دموية الحرب الإسرائيلية في غزّة، شهدت واشنطن في 29 سبتمبر/أيلول 2025 لقاءً مصيرياً، جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أُعلن عن خطة السلام المكونة من 21 نقطة؛ دخلت حيّز التنفيذ 10 اكتوبر/تشرين الأول. هذا الإعلان يشكّل محاولة جذرية لإعادة صياغة المشهد السياسي في غّزة تحت غطاء أمريكي، في وقت يعتري الخطة غموض بنودها والضمانات المفقودة المرتبطة بتنفيذها.

عودة الاستعمار بأقنعة جديدة

تكشف الخطة عن تشكيل «مجلس السلام» الذي يقوده دونالد ترامب ويضم شخصيات دولية أبرزها «توني بلير»، وهو اختيار يحمل دلالات عميقة، فبلير هو تجسيد حي لمشاريع التدخّل الغربي الدموي في الشرق الأوسط؛ من العراق إلى فلسطين.

اختيار «بلير» يشير إلى نية إحياء نموذج الوصاية الاستعمارية ويلغي الإرادة الفلسطينية.

قرار ترامب بتعيين الأخير لإدارة قطاع غزّة يمثّل انتهاكاً صارخاً للشرعية الدولية، فهو قرار أحادي لم يُعرض على مجلس الأمن ولم ينل موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا النموذج يُذكّر بنظام الانتداب إبّان الحقبة الاستعمارية. والأخطر أن الإدارة التكنوقراطية التي سيرأسها «بلير» تمثّل التتويج للاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية، مما يُقوّض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلّة.

هذا النهج يعيد إنتاج نفس العقلية الاستعمارية التي اعتبرت الشعوب غير قادرة على إدارة شؤونها.

الوساطة الدولية

رغم أهمية الوساطة القطرية - المصرية - التركية، إلّا أنها تبقى محكومة بمعادلات الهيمنة الأمريكية، التي تتحرّك في فضاء تضبعه الحسابات الأمريكية-الإسرائيلية، وتغيير نقاط خطة ترامب إسرائيليا بعد يوم واحد بموافقة ترامب، دون الرجوع إلى الشركاء العرب والمسلمين، فضلا عن شن جيش الاحتلال الإسرائيلي الأحد 19 اكتوبر/تشرين الأول، غارات جوية مكثّفة على مناطق متفرّقة من القطاع، في أكبر خرق للإتفاق، والذي شكّل إخفاقا وتهميشا للجهود الدبلوماسية للدول المشاركة.

وقد كشفت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية حقيقة خطة ترامب، ووصفتها بـ «الساذجة والخبيثة، وفيها دجل صريح»، مؤكّدة أن الضغط الأمريكي على نتنياهو «هراء» لإيهام الدول العربية بتوازن المقترح الأمريكي.

ويكشف تحليلٌ أعمق عن وجود هيئة إسرائيلية سرية تُدعى «مكتب إدارة ما بعد الحرب»، تعمل على إعداد بنود الخطة، مما يؤكّد أن ما يُسوَّق له «مبادرة سلام أمريكية» هي في الواقع مخطط إسرائيلي يُقدَّم بغلاف أمريكي.

الردود والتفاعلات

في قراءة للمشهد الدبلوماسي المصاحب للإعلان، يُلاحظ أن ترحيب الدول العربية والإسلامية التي حضرت «خطة ترامب»، الذي يعكس تحولاً في الاستراتيجية الدبلوماسية العربية والإسلامية.

لكن هذا الترحيب لا يخلو من مفارقات، خاصة عندما يقترن بتصريح نتنياهو الذي يحاول تصوير الأمر كأن «العالم العربي والإسلامي يضغط على حماس لقبول الشروط الإسرائيلية». هذه القراءة التبسيطية تخفي تعقيدات الموقف الإقليمي وتنوع التوجهات بين الدول العربية. وهنا تبرز مخاوف جدية من أن تكون هذه الخطة فخاً يستهدف إنهاء القضية الفلسطينية، حيث تفتقر إلى أي ضمانات حقيقية تمنع إسرائيل من استئناف حرب الإبادة الجماعية بعد أن استعادت أسراها وتقريباً جميع الجثامين.

كما أن دخول القوة المسماة بـ «قوة الاستقرار الدولية» إلى غزّة والتي تقود تشكيلها الولايات المتحدة، ستكون أداة غير رسمية بيد الحكومة الإسرائيلية. وتضم القوة نحو 200 عنصراً أمريكياً، بمشاركة ضباط من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ودعم من دول عربية مثل مصر وقطر والإمارات وتركيا، كما تجري مناقشات لانضمام باكستان وإندونيسيا وأستراليا وكندا وماليزيا.

معالم البديل المقبول

في تحليل البديل الحقيقي، نجد أن أي حل دائم يجب أن ينطلق من معادلة مختلفة تماماً، حيث تكون السيادة الفلسطينية هي الأساس لا الهدف. فالمشكلة الجوهرية في كل الخطط أنها تتعامل مع الحقوق الفلسطينية كتنازلات يمكن منحها أو منعها، وليس كأسس غير قابلة للتصرّف.

لا يمكن اختزال الإبادة الجماعية بالقطاع في معاناة إنسانية تتطلّب إغاثة عاجلة، فذلك يشكّل تغييباً متعمداً للسبب الجذري للعدوان الإسرائيلي، كما أن أي تسوية دائمة يجب أن تقوم على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مع ضمانات دولية حقيقية لتنفيذها.

سلام على وقع القذائف

في الختام، تظهر الخطة الجديدة كمحاولة لفرض واقع جديد عبر دبلوماسية القوى، متجاهلة الدرس الأساسي من تاريخ الاحتلال: أن السلام الحقيقي لا يُفرض من الخارج، ولا يمكن أن يبنى على أنقاض العدالة.

إن السلام الحقيقي ينبع من إرادة الشعوب واحترام حقوقها، وليس بالأسلحة الفتاكة؛ تُدار من قاعات المؤتمرات الفاخرة. والمفارقة المأساوية التي تجسّد جوهر الأزمة تكمن في أن مؤتمر السلام الذي انعقد في واشنطن، وبعده في شرم الشيخ، كانت خلاله الطائرات الحربية الإسرائيلية تواصل قصفها على غزّة.

ويكفي للتعبير عن فداحة الكارثة أن إسرائيل، وإن فشلت في تحقيق التطهير العرقي الكامل لغزّة، فإنها دمرتها تدميراً شاملاً، وكان ينبغي أن تُجبر على دفع تعويضات عن الدمار اللإإنساني الذي تسببت فيه، بدلاً من الدول النفطية العربية التي اقترحها ترامب.

إن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق والبقاء، وبرغم كل المعاناة أثبت عبر التاريخ أنه قادر للذود عن نفسه رغم إعراض العالم عنه، وأن إرادة الحياة لديه ستبقى هي الأقوى من كل محاولات الإخضاع والإقصاء.

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

 

الجمعة، 10 أكتوبر 2025

خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزّة/أحمد سليمان العُمري


بسم الله الرحمن الرحيم



دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

بعد مفاوضات مكثّفة استمرت يوم وليلة في شرم الشيخ 08 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن رئيس الوزراء الأمريكي دونالد ترامب والوسطاء فجر اليوم الذي تلاه عن التوصّل لاتفاق يفضي لوقف إطلاق النار في غزّة، في خطوة تُنهي عامين من الحرب والدمار.

يأتي هذا الإعلان تتويجا لجهود وساطة إقليمية حثيثة قادتها مصر وقطر وتركيا، تحت إشراف أمريكي، تمثّل بمبعوثيه «ستيف ويتكوف» و «جاريد كوشنر» في وقت تعيش فيه غزة إبادة جماعية ووحشية مفرطة.

قراءة في التفاصيل التنفيذية

يكشف تحليل بنود الاتفاق عن دقة في الصياغة تتخلّلها قصدا غموض استراتيجي في نقاط حساسة. تشمل البنود الرئيسية وقفاً فورياً لإطلاق النار، وانسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية إلى ما يعرف بـ «الخط الأصفر»، وهي الحدود المبدئية للانسحاب.

واستناداً إلى بنود خطة ترامب التي شكّلت أساس المفاوضات، فإن آلية تبادل الأسرى تتضمّن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبّد و1700 معتقل من غزّة، مع تأجيل ملف الجثامين لمراحل لاحقة.

الأبعاد الإنسانية والقانونية

يواجه الاتفاق اختباراً حاسماً على المستوى الإنساني والقانوني، فمن الناحية الإنسانية، يشكّل تدفّق المساعدات وإعادة الإعمار مُعضلة لوجستية هائلة في ظل بنية تحتية، دمّرها الجيش الإسرائيلي بنسبة 90 بالمئة، فقد جعل من القطاع كومة من الرمال والحجارة لتحقيق أحد أهم أهدافه، وهي استحالة عودة الحياة للفلسطيني في قطاع غزّة مرّة أخرى.

لقد رحبت الأمم المتحدة بالاتفاق وطالبت بضمان وصول المساعدات بشكل فوري وغير مشروط. أما قانونيا، فإن بنود الاتفاق تثير إشكاليات تتعلّق بحق العودة للنازحين، ووضع الأسرى، والضمانات الدولية لحماية المدنيين، خاصة في المناطق التي ستظل تحت السيطرة الإسرائيلية.

آليات الرقابة والضمانات التنفيذية

تم وضع آلية رقابية ثلاثية المستوى، تشمل لجان رقابة مشكلة من الوسطاء الدوليين، ووجود مراقبين دوليين على الأرض، لكن تبقى هذه الآليات رهينة بالإرادة السياسية للدول الكبرى، بسبب سيطرة إسرائيل على القطاع، ومدى فعالية مجلس الأمن وتوازنات القوى.

وقد أعلنت الأمم المتحدة استعدادها للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية، بينما سيتولى الصليب الأحمر عملية تبادل الأسرى.

ردود الفعل

يمكن رصد تباين واضح في ردود الفعل على المستوى الدولي والإقليمي. فقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن ارتياحه للاتفاق، معرباً عن أمله في أن يمهّد الطريق لحل دائم، كما رحبت الدول العربية والإسلامية بالاتفاق وشددت على أهمية تنفيذ جميع بنوده. من جهة أخرى، أبدت إيران تحفّظها على بعض البنود.

على المستوى الفلسطيني، ظهرت انقسامات بين ترحيب رسمي وتحفّظات شعبية، خاصة فيما يتعلّق ببنود الاحتفاظ بالسيطرة الإسرائيلية على جزء كبيرة من القطاع.

التحديات التنفيذية والعقبات المحتملة

قبل أن تبدأ إسرائيل بالإفراج عن ا لأسرى الفلسطينيين، تخلق هرمية في عملية التبادل قد تشكّل عقبة تنفيذية، خاصة في ظل التأكيد الإسرائيلي الدائم على أولوية ملف الأسرى، مما يثير هواجس حول إمكانية تأجيل أو تعليق الأسرى الفلسطينيين، في حال وجود تعقيدات حول رفات الإسرائيليين.

رغم التفاؤل الحذر الذي صاحب الإعلان، إلّا أن التحديات التنفيذية تظل جسيمة، ويشير التاريخ التفاوضي إلى نمط منهجي في التعامل الإسرائيلي مع الاتفاقيات، يتمثّل في التفسير الانتقائي للبنود والمماطلة في التنفيذ. كما أن تعقيدات الانسحاب التدريجي، حيث أن الاحتفاظ بالسيطرة على 53% من أراضي القطاع - حسب الإتفاق - يطرح تساؤلات حول جدية الانسحاب الحقيقي. إضافة إلى ذلك، فإن الآلية الزمنية لتبادل الأسرى، والتي بموجب نص الخطة الأصلية تقضي بإعادة الأسرى (الأحياء والرفات) أولاً، قبل أن تبدأ إسرائيل بالإفراج عن ا لأسرى الفلسطينيين، تخلق هرمية في عملية التبادل قد تشكّل عقبة تنفيذية، خاصة في ظل التأكيد الإسرائيلي الدائم على أولوية ملف الأسرى، مما يثير هواجس حول إمكانية تأجيل أو تعليق الأسرى الفلسطينيين، في حال وجود تعقيدات حول رفات الإسرائيليين.

سيناريوهات متوقّعة وآليات المراقبة

في ضوء تحليل موازين القوى والبنود التفصيلية، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية. السيناريو الأول يتمثّل في تنفيذ جزئي مع إدارة مستمرة للأزمة (الوسطاء الدوليين) وهو الأكثر واقعية في ظل غياب الحل السياسي الشامل. السيناريو الثاني يحتمل انهياراً متدرّجاً للاتفاق بسبب الخلافات حول تفسير البنود الغامضة. أما السيناريو الثالث فيتوقّع أن يُصار إلى عملية سياسية شاملة، وهو الأقل احتمالاً في الأفق القريب في ظل الاستقطاب الحاد داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية.

بين الدبلوماسية والواقع

يُشكّل اتفاق شرم الشيخ لحظة تحولاً في إدارة العدوان الإسرائيلي، من المنطق العسكري إلى المنطق التفاوضي، الذي فُرض على الاحتلال بفعل الصمود الفلسطيني والضغط الأمريكي، لكنه يظل اتفاقاً هشّاً في ظل غياب الرؤية السياسية الشاملة والضمانات الأمريكية والدولية الفاعلة، وعدم وضوح آليات التنفيذ على الأرض.

نجاح الاتفاقية سيعتمد على رغبة ترامب وقدرة المجتمع الدولي على فرض رقابة فعّالة، واستعداد حكومة نتنياهو المُتطرفة للإلتزام وإنهاء الإبادة الجماعية في القطاع، والكف عن ممارساتها العدوانية والتوسّعية في الضفة الغربية، وتحويل الهدنة إلى عملية سياسية حقيقية.

إذن، التحدي الأكبر يتجسّد في تحويل هذا الإنجاز الدبلوماسي إلى واقع ملموس لأهالي غزّة والضفة، وضمان أن لا يكون مجرّد هدنة مؤقّتة تسبق حرباً أوسع، بل خطوة حقيقية نحو حل دائم يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وتقرير مصيره.

Ahmad.omari11@yahoo.de


الأربعاء، 17 سبتمبر 2025

غزّة تحاصر قمّة الدوحة/أحمد سليمان العُمري

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

غزّة تحاصر قمّة الدوحة


دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في الخامس عشر من سبتمبر 2025، التأمت في الدوحة قمّة خليجية عربية إسلامية استثنائية، استدعتها ظروف خطيرة فرضها الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي القطرية، وما مثّله من انتهاك صارخ للسيادة الوطنية ولدور الوساطة الذي اضطلعت به الدوحة منذ سنوات.

هذه القمّة لم تُعقد في سياق بروتوكولي مكرر، بل جاءت وسط غضب شعبي عربي وإسلامي عارم، وضغط دولي متصاعد على إسرائيل نتيجة حرب الإبادة في غزّة. وفيما حاول القادة أن يُظهروا وحدة صفّ في مواجهة الاستفزاز الإسرائيلي، فإن اختبار القمّة الحقيقي سيبقى مرتبطا بمدى تحويل الخطاب التضامني إلى فعل سياسي وقانوني ملزم، يتجاوز الإدانة إلى الردع.

الأحداث المتزامنة

انعقدت القمّة بينما المشهد الإقليمي يُرسم بدماء الفلسطينيين وصور المجازر اليومية في القطاع والإثخان في مدينة غزّة. فخلال ساعات الكلمات والخطابات، كان صوت الانفجارات يصل إلى تل أبيب من كثافة القصف الإسرائيلي على غزّة، في تذكير مؤلم بالفجوة بين قاعات المؤتمرات والواقع الميداني.

وإلى جانب ذلك، كانت إسرائيل تبعث رسائل تهديدية صريحة: إذ رافق وزير الخارجية الأمريكي «ماركو روبيو» رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جولة تحت أنفاق المسجد الأقصى، في خطوة ذات رمزية استفزازية تُهمّش أي زعامة دينية أو عربية، وتكشف نوايا تل أبيب في التعامل مع القبلة الأولى؛ المسجد الأقصى، ومقدسات المسلمين كمساحة مستباحة للهيمنة الإسرائيلية.

وفي الوقت ذاته، جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى إسرائيل متزامنة مع انعقاد القمّة، وكأنها ردّ سياسي مواز ومُوجّه لتقليل من شأن بياناتها. بذلك، بدت الدوحة وكأنها على خطّ مواجهة مزدوجة: قصف إسرائيلي متواصل في غزّة، واستعراض سياسي أميركي - إسرائيلي مقصود يهدف إلى محو أي أثر للخطاب العربي الإسلامي الجماعي.

القصور والإمكانات الضائعة

ورغم قوة العبارات في البيان الختامي - وهو ما عهدناه دائما من بلاغة البيانات، من إدانة صريحة للعدوان الإسرائيلي، إلى تأكيد التضامن الكامل مع قطر ومساءلة تل أبيب قانونيا - إلّا أن القمّة لم تنجح في الارتقاء إلى مستوى التوقعات الشعبية، والمأمولة على مستوى القرار السياسي تجاه الإبادة الجماعية والمجاعة المُمنهجة في قطاع غزّة، والوحشية والدموية المُفرطة تجاه سُكّان القطاع، حتى أن الأطفال والنساء والعُزّل أصبحوا هدفاً مشروعاً.

كان بإمكان هذه القمّة أن يُصار بها إلى محطة فارقة لو أُقترنت القرارات بخطوات عملية واضحة: أوّلها، تجميد اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل بما تحمله من تبعات سياسية واقتصادية وأمنية؛ ثانيها، وقف التعاملات الاقتصادية والتجارية كافّة مع تل أبيب، بما يشمل العقود العسكرية والتكنولوجية؛ وثالثها، إغلاق الأجواء العربية أمام الطيران الإسرائيلي كخطوة ردعية تُثبت أن السيادة العربية ليست شعاراً ترويجياً للاستهلاك.

هذه الإجراءات وحدها كانت قادرة على تحويل كلمات القادة إلى أدوات ردع فعلي، تُرغم إسرائيل على التراجع وتُظهر للعالم أن العرب والمسلمين ليسوا أسرى لخطابات تُلقى ثم تُطوى.

الرسالة المطلوبة

الأكثر أهمية أن القمّة كان ينبغي أن تُرفق برسالة سياسية واضحة إلى الولايات المتحدة، وتحديدا رئيسها، دونالد ترامب، باعتباره الراعي الأول لإسرائيل، حسب رأي مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، هذا لأن الموقف العربي والإسلامي لن يُكتب له تأثير إلّا إذا ترجم إلى ضغط حقيقي على واشنطن، وبلغة المصالح لا المجاملات. فقد كان من الأجدر بالقمّة أن تُعلن صراحة ودون مواربة أن استمرار الحرب والإبادة في غزّة سيؤثّر سلبا على المصالح الأمريكية في المنطقة: في أسواق الطاقة، في طرق الملاحة، وفي الاستقرار الإقليمي الذي تُعوّل عليه واشنطن.

مثل هذه الرسالة المقرونة بالإرادة الملموسة، لو وُجّهت بوضوح إلى إدارة ترامب، لكانت بمثابة معادلة جديدة تفرض على الإدارة الأمريكية مراجعة دعمها المطلق لتل أبيب، وتُدخل عنصر الردع الفعلي إلى المعادلة، وتُلجم كلب المنطقة والمسؤول الأول عن حرب الإبادة والمجاعة وخطط التهجير والتطهير العرقي، وتُجبره على إنهاء الحرب.

الاكتفاء بتكرار بيانات الإدانة والتنديد، لا يُسعف الغزّي ولا يُقدم له كيس طحين، ولا يوقف المجازر ولا يُغيّر مسار الشراكة الأميركية - الإسرائيلية.

وخلاصة القول...

قمّة الدوحة لم تكن عادية، بل شكّلت لحظة اختبار تاريخي: إما أن تكون بداية لمسار جديد يربط السيادة بالفعل ويُحمّل إسرائيل وأمريكا كلفة عدوانهما، أو أن تتحوّل إلى نسخة إضافية من قمم فقدت تأثيرها بسبب الفجوة بين الخطاب والواقع، وبين الإرادة والاستسلام.

المؤكّد أن الشعوب العربية والإسلامية تعيش حالة غليان دائم، بدأت مع الاضطهاد الذي تعيشه منذ بدء الذاكرة العربية، حتى تجاوزت الآن قمعها حسّياً وعمليّاً بأحلك حالاتها، فإبادة شعب برُمّته لا يبعد عنها سوى كيلوامترات، وحتى لو ابتعد جغرافياً، غير أنّ بينه وبين الشعوب العربية دما وعروبة ودين، فإن هربوا من الأولى ومرّوا من الثانية، فستُحكِم وثاقهم الثالثة، ومعها الأخلاق والإنسانية.

لم تعد تكتفي الشعوب بسماع عبارات الشجب والتضامن، حتى وإن كانت من أكثر الخُطب بتاريخ القمم الخليجية والعربية والإسلامية بلاغة وقُصراً، كخطبة الرئيس السوري أحمد الشرع، بل تطالب بخطوات عملية تُترجم إلى تغيير ملموس.

القمّة فتحت نافذة للأمل، لكنها ستظل عالقة بين الإمكانات والقيود، ما لم تُستكمل بقرارات شجاعة توقف آلة الحرب وتفرض معادلة جديدة على الأرض. وهنا، يكون الامتحان الحقيقي: هل يملك القادة الإرادة والجرأة لربط مستقبل المنطقة بمصالحها الوطنية الجامعة، أم يتركون غزّة وفلسطين كُلّها وحدها تواجه الموت أو التطهير والتهجير، فيما يكتفون بإعادة تدوير بيانات قديمة مُستهلكة؟ هي ذاتها منذ عام 1967 وتُعاد صياغتها اليوم بمفردات للغة عريقة؛ حاضرها يائس وشعبها بائس.

Ahmad.omari11@yahoo.de

خرق السيادة واستهداف القيادة/أحمد سليمان العُمري

 

 

بسم الله ا لرحمن الرحيم

خرق السيادة واستهداف القيادة


دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في التاسع من سبتمبر 2025، شنّت إسرائيل هجوماً جويا على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة اجتماعاً لقادة حركة حماس، في خطوة تُعد خرقاً غير مسبوق لسيادة دولة عربية ذات وزن دبلوماسي وإقليمي كبير. لم يكن هذا الهجوم عملية عسكرية تقليدية، بل رسالة سياسية متعمّدة تهدف إلى تعطيل أي مسار تفاوضي محتمل لإنهاء الحرب على غزّة أو إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وتأتي في سياق استراتيجية أوسع لحكومة نتنياهو المتطرّفة الرامية إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.

من الجانب الفلسطيني، يمثّل القصف تهديداً مباشراً للإطار القيادي السياسي والأمني، إلّا أن حماس أكّدت أن قادتها نجوا وأن هذا التصعيد لن يثنيها عن متابعة نضالها ومقاومة الاحتلال.

صمود القيادة الفلسطينية يعكس تصميم الحركة على حماية قوتها السياسية والميدانية، ورفض محاولات شل المفاوضات، مؤكّدة التمسّك بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ومواجهة التدمير والتهجير الممنهج الذي يتعرّض له سكان غزّة، ومحاولات الضم والتهجير في الضفة الغربية.

غطرسة نتنياهو وأجندة التهجير الشامل

يجب فهم هذا الهجوم على أنه حلقة في سلسلة طويلة من سياسات البلطجة والإفلات من العقاب التي تمارسها حكومة نتنياهو المتطرّفة.

إن الهدف الاستراتيجي المعلن وغير المعلن يتجاوز بكثير «استئصال حماس»؛ إنه يسعى إلى تحقيق سيطرة كاملة على فلسطين التاريخية، وهو مشروع استعماري يمارس على مرأى من العالم.

لم تعد الغطرسة الإسرائيلية حبيسة الخطاب السياسي، بل تجسّدت على الأرض عبر مجازر يومية يصعب على الضمير الإنساني استيعابها. فالجيش الإسرائيلي لا يكتفي بقصف الأحياء السكنية، بل يحول حياة المدنيين إلى جحيم، حيث يقتل ما بين 100 إلى 150 فلسطينياً يومياً، غالبيتهم من النساء والأطفال؛ يرتقون جرّاء التجويع وأثناء انتظارهم للحصول على قطعة خبز أو علبة حليب، أو يسقطون تحت القصف وهم مجتمعون في مناطق اعتقدوا أنها آمنة، بعد أن حرموا من أبسط مقومات الحياة، من ماء وطعام ودواء.

هذه الوحشية هي جزء من استراتيجية ممنهجة لتحطيم إرادة الشعب ودفعه نحو الهروب أو الموت.

من التنديد الرمزي إلى الضغط الاستراتيجي

يمثّل القصف الإسرائيلي على العاصمة القطرية فرصة نادرة واختباراً مصيرياً لدول الخليج، وخصوصا قطر والسعودية، ومع الخليج كل الدول العربية لإعادة صياغة استراتيجياتها الإقليمية وترجمة خطاباتها السياسية إلى أفعال ملموسة، فبدلاً من الاكتفاء بتنديد رسمي محدود، يمكن توظيف هذا الانتهاك الخطير للسيادة كأداة ضغط سياسية ودبلوماسية واقتصادية فاعلة لإجبار إسرائيل على وقف حرب الإبادة في غزّة ووقف الزحف الاستيطاني المتسارع في الضفة الغربية.

موقف خليجي عربي موحّد؛ مشروط بتجميد كل أشكال التطبيع، ومدعوم بحشد الدول الإسلامية، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، ودوره الآخذ بالتفاقم لفرض عقوبات على إسرائيل، قادر على تشكيل منعطف تاريخي لإعادة رسم موازين القوى الإقليمية، بما يعزز قدرة العرب على الردع وحماية مصالحهم وسيادتهم الوطنية، وإنهاء الحرب الإسرائيلية والمأساة الفلسطينية للأبد، كما ويفرض على الاحتلال التزامات قانونية وسياسية.

ما دون ذلك، سيبقى النظر إلى الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ضمن استراتيجية أوسع؛ تهدف إلى تقويض تأثير الوساطات القطرية في جهود التهدئة، وإشعار الدول العربية بأن أمنها مشروط بإملاءات تل أبيب.

هشاشة الدفاعات العربية والتحديات الأمنية المتصاعدة

كشف قصف الدوحة عن نقاط ضعف كبيرة وخطيرة في منظومات الدفاع الجوي، على الرغم من امتلاك الدولة لأقوى الأنظمة الدفاعية المتطورة في المنطقة، بما في ذلك بطاريات «باتريوت» وأنظمة «NASAMS».

نجاح إسرائيل في تنفيذ الضربة بـ 12 صاروخا بطائرات حربية؛ ترافقها مسيّرات وطائرات استطلاع وصهاريج مزوّدة بالوقود يعكس عدم كفاءة التنسيق الدفاعي الخليجي واستغلال الثغرات الأمنية والاستخباراتية، ويضع الدول العربية أمام تحديات استراتيجية وجودية.

فتصعيد الهجمات الإسرائيلية لم يعد يقتصر على دمشق وحلب وحمص وبيروت وصنعاء والمدن اليمنية الأخرى، وصولا إلى شمال إفريقيا، حيث استُهدفت مؤخّرا سفينة من «قافلة الصمود» في ميناء سيدي بوسعيد بتونس، لتطال اليوم الدوحة، حتى أصبح 9 سبتمبر/أيلول 2025 تاريخاً مفصلياً جديداً يُضاف إلى 7 أكتوبر 2023، والتي بدأ فيها العدوان الإسرائيلي على غزّة.

يمثّل هذا التاريخ اليوم نقطة تحوّل خطيرة في سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية، التي تعمل على استهداف الرمزية السياسية للعواصم العربية، وإيصال رسالة بأن أي دولة عربية، بغض النظر عن وزنها أو موقعها، قد تصبح هدفاً في أي لحظة، فهي ليست بمنأى عن البلطجة والعدوان الإسرائيلي السافر، لذلك، أن لم تتخذ قطر ومعها الدول الخليجية ومن حولهم الدول العربية قرارات رادعة؛ ممثّلة بمنح إسرائيل مهلة لإنهاء الحرب على غزّة، ستكون العواصم العربية الأخرى هي الهدف القادم.

من الشجب إلى الفعل

على المستوى الدولي، اقتصرت الردود غالباً على بيانات إدانة ضعيفة وجوفاء، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي تدمير غزّة والإثخان بأهلها والعمل على تهجيرهم، دون أن يتعرّض لأي ضغط فعلي أو كُلفة حقيقية تحد من دمويته.

الهجوم على الدوحة يوضّح أن إسرائيل توسّع نطاق عدوانها ليطال جميع العواصم العربية، وتسعى لتفتيت اللحمة العربية والإقليمية في سعيها لإقامة «شرق أوسط جديد» تحت هيمنتها الكاملة. في المقابل، الموقف العربي الرسمي يكتفي بالتنديد ومناشدات المجتمع الدولي، وهو ما يضاعف الحاجة الملحّة لتوحيد الجهود العربية والخليجية وانتقالها من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل، عبر فرض حزمة من الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية على إسرائيل.

إن اعتماد موقف عربي موحّد حازم، مدعوم بآليات ضغط واضحة مثل مراجعة الاتفاقيات السياسية والأمنية والإقتصادية، يشكّل السبيل الأكثر فعالية لوقف العدوان، وإجبار إسرائيل على احترام القانون الدولي وسيادة الدول العربية، مع إعادة ترتيب موازين القوى الإقليمية بشكل يردع أي طموحات توسّعية مستقبلية للعدو الإسرائيلي ويحمي الأمن القومي العربي برُمّته.

Ahmad.omari11@yahoo.de

الجمعة، 22 أغسطس 2025

أنس الشريف: من ارتقاء مُعلّق إلى شهيد مُحقق/أحمد سليمان العُمري

بسم الله الرحمن ا لرحيم 

أنس الشريف

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في ظلّ الحصار والدمار، كان أنس الشريف يعيش حالة استثنائية: شهيد مع وقف التنفيذ. تلك العبارة التي نطق بها قبل أيام قليلة من استشهاده تعبّر حصراً عن معاناة الإنسان الفلسطيني الغزّي، لا بل وعن فلسفة حياة في قطاع غزّة واختياراً أخلاقياً مهيباً.

رفض أن يلوذ بالنجاة السهلة، ورفض مغادرة غزّة التي تُذبح أمام عينيه.

وكأنّ لسان حاله كان يقول:

«إذا رحلتُ، فاعلموا أني اخترت البقاء لأن نقل مأساة القطاع والكاميرا الآن هما سلاحي؛ لن أتخلّى عن حقي في أن أصرخ بالحقيقة حتى لو كلّفني ذلك روحي. ارووا شهادتي بالدم، واقرأوا غزّة في عيون أطفالها الجوعى، فهي القصّة التي لا يريدون للعالم أن يسمعها».

حيث الأطفال يُعدمون بصمت في بيوتهم، وحيث مجاعة تقتل بالمئات يومياً، وحيث الصراخ الإنساني لا يجد من يسمعه. ظلّ أنس يعمل على توثيق الواقع المرير بشجاعة، مدافعاً عن الحقيقة كأعلى درجات النضال، وهو يدرك أن العدوان الإسرائيلي لا يقتصر على القصف، بل يستهدف بالدرجة الأولى من ينقلون الفظاعات بحق الغزّيين والإبادة الإسرائيلية.

استشهد أنس في قصف غادر مع زميله محمد قريقع، تاركين خلفهما سيرة من المهنية والشجاعة والتضحية في وجه آلة الحرب.

دماء الصحفيين

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في 7 أكتوبر 2023 وحتى ارتقاء فريق الجزيرة الإعلامي قبل يومين، الذي فقد المراسلين أنس الشريف ومحمد قريقع، بالإضافة إلى المصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل؛ بلغ عدد شهداء شبكة الجزيرة 11 صحفيا. أمّا إجمالي الصحفيين الفلسطينيين الذين ارتقوا في القطاع فقد تجاوز 238 شهيدا، جميعهم قضوا بنيران الاحتلال، مما يعكس حجم المخاطر التي يتعرّض لها الإعلاميون في سبيل كشف الإجرام الإسرائيلي للعالم، في ظروف تفضح نهجه في استهداف العاملين على نقل الحقيقة.

 ما كان هؤلاء الصحفيون مراسلين بالمعنى التقليدي، بل شهود عيان على المجازر، على أطفال يُقتل بعضهم أمام كاميراتهم، وعلى مشاهد التجويع التي أنهكت الضمائر العالمية. كانوا ينقلون صور الموت والدمار التي تحاول إسرائيل خنقها بالقتل، موثّقين لحالات تجويع الأطفال التي ترتقي بالعشرات يومياً، وللحياة التي تُقتلع من تحت أنف العالم.

تجار الحرب يريدون أن تُطوى هذه الشهادة، لكن دماء أنس وزملائه تقول إن الحقيقة ليست تقريراً أو مشهداً إخبارياً لأحداث اعتباطية عبثية، بل صرخة إنسانية تحتضر.

في هذا العدوان، دُمّرت مئات من منازل الصحفيين، وخسر كثيرون عائلاتهم، لكنهم استمروا في نقل الإبادة بالصواريخ والتجويع رغم كل ذلك. القتل المتكرر والتضييق على حرية الصحافة يؤكّدان سياسة ممنهجة تستهدف تفكيك قدرة الإعلام المحلي على تغطية الأحداث الدامية والعمل على احتلال غزّة وتهجير سكّانها بصمت، وحرمان العالم من معرفة حقائق الحكومة الإسرائيلية المجرمة، التي طالما سوّقت للاحتلال وسوّق له الغرب دور الضحية.

سياسة إسرائيلية ممنهجة لإسكات الصحافة

استهداف الصحفيين لم يكن فعلاً عشوائياً أو نتيجة خطأ في الرصد. بل هو جزء من استراتيجية إسرائيلية متكاملة لمنع وصول الصور إلى الرأي العالمي العام. فإسرائيل تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، وتستهدف بعنف الصحفيين المحليين الذين يبقون هناك رغم الخطر، فتقتلهم، تهددهم، وتدمّر مقار عملهم. هذه السياسة ترمي إلى احتكار السردية الإسرائيلية، وتقديم روايتها التي تخدم مصالحها وحكومة نتنياهو وعصابته لإثخان القتل والإبادة الجماعية.

وفي قلب هذا العدوان والإبادة، كان أنس الشريف رمزاً للشجاعة، فقد رفض مغادرة غزّة رغم تحذيرات أصدقائه وتهديدات المخابرات الإسرائيلية الصريحة بتصفيته، لأن بقاءه كان مقاومة بحد ذاتها، وحكاية عن تمسّك الفلسطينيين بحقهم ونقل قصّتهم وظلمهم ومأساتهم بأصواتهم.

الصحفيون بين الموت والتوثيق

أنس الشريف لم يكن وحده. ففي الأشهر الأخيرة، استشهد مراسلو الجزيرة مثل حسام شبات، فاطمة حسونة، سامر أبو دقّة، وإسماعيل أبو حطب، وحمزة الدحدوح، وإسماعيل الغول، وأحمد اللوح وهم يوثّقون لحظة بلحظة معاناة سكّان غزّة. هؤلاء الصحفيون لم ينقلوا أخبار الحرب بهذا المعنى المجرّد، بل حملوا على عاتقهم سرد قصص الأطفال المجوّعين الذين ينهارون تحت وطأة الحصار، والنساء اللاتي فقدن عائلاتهن، والبيوت التي تحولت إلى رماد.

لم يكن نقلهم للمجازر مهنة بالمفهوم العام، بل رسالة ونضال، كما كتب أنس في مذكّراته بتصرّف يسير:

«عسى أن يكون الله شاهداً على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكناً، ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعّثرت أشلاؤهم على الجدران. أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود».

هذه الكلمات كانت شعارهم، فحتى بعد استشهادهم، بقيت كاميراتهم تشهد على جرائم لا يدفع كلفتها غير الدم الفلسطيني.

إن نقل هذه الصور من الإبادة هو ضرب من ضروب النضال والمقاومة، حيث يصبح الإعلام سلاحاً ضد القتل والتشويه، ومرآة تكشف الوجه الإجرامي القبيح لدولة الاحتلال. في كل صورة، في كل تقرير، كان الصحفي الفلسطيني يقول للعالم: هذه ليست عناوين إخبارية، هذه دماء عربية فلسطينية؛ هؤلاء أطفال فلسطين سرق الاحتلال الحياة منهم بدموية ووحشية.

نداء للضمير الدولي

كنت أجلس مساء كل يوم، أترقّب تغطية أنس الشريف ومحمد قريقع عن أخبار غزّة الموجعة، عن أطفال يئنون من الجوع، وعن أُسرٍ تحصي شهداءها، وفي ذلك اليوم وكالعادة، جلست بانتظار تغطيتهم، وإذا بي أسمع تغطية عن ارتقائهم، عن رحيلهم الذي أبكاني كما أبكى الملايين من «المطحونين». لم تكن تقاريرا إخبارية، بل وداع لوجوه صارت رموزاً للحق في زمن ظلمة الاستبداد.

رحلت الوجوه، كما رحل كثيرون غيرهم في غزّة؛ بعضهم كانوا يناشدوننا وهم لا يعلمون أننا الموتى، أننا الأرقام في إحصائيات الشعوب؛ لا نتقن غير الإطراء ولا نعرف من كرامتهم غير القصيد والماء والثريد.

نهاية

ما لم يتحرك العالم بجدية لحماية الصحفيين وضمان حقهم في العمل بحرية وأمان، ستظل غزّة مسرحاً لمجزرة إعلامية وإبادة بشرية غير منتهية، وستظل شهادات هؤلاء الأبطال الذين ارتقوا حاضرة كنداء مُوجع، في حين يبقى آخرون من الصحفيين الفلسطينيين في حالة «شهيد مع وقف التنفيذ»، ينتظرون العدالة الإلهية بالحياة والحرية.

الدماء التي توثّق الجرائم لا تجف، والكلمات التي كُتبت بدماء الشهداء والنضال أكثر وقعا من الرصاص.

Ahmad.omari11@yahoo.de

 


الاثنين، 28 يوليو 2025

الضفة: من وهم ديني إلى تصويت الكنيست/أحمد سليمان العُمري

 بسم الله الرحمن الرحيم

الضفة: من وهم ديني إلى تصويت الكنيست


دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

منذ إعلان ما يُعرف بـ «صفقة القرن» عام 2020، التي صيغت في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دخلت الضفة الغربية مرحلة جديدة من الاستهداف السياسي، ومؤخّراً بتصويت الكنيست على مشاريع قوانين لضمّها رسمياً. ومع عودة الشخصيتين إلى الحكم في واشنطن وتل أبيب، عاد المشروع بروح أكثر إستيطانية، مدعوماً ببنية أمنية وتشريعية، تدفع نحو الضّمّ كأمر واقع لا كخيار سياسي.

أرض الآباء والأنبياء

لم يتوقّف اليمين الإسرائيلي المتطرّف عند حدود السيطرة الأمنية، بل لجأ إلى أدوات أيديولوجية لتثبيت وجوده في الضفة الغربية؛ يصفها بأنها «أرض الآباء والأنبياء»، وهو توصيف ديني، يُستخدم ضمن خطاب تعبوي يحاول فرض شرعية توراتية على واقع سياسي. ووفقا لاستطلاع أجراه مركز «نبض إسرائيل» في يناير/كانون الثاني 2025 فإن 71% من الإسرائيليين يُعارضون إقامة دولة فلسطينية، ويؤيّد قرابة 70% منهم فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ما يعكس تحولاً لافتاً في بنية الخطاب السياسي والتوجه الشعبي الإسرائيلي.

هذا التوظيف الديني ليس جديداً، لكنه اكتسب بعداً أكثر خطورة في حكومة نتنياهو، التي تضم وزراء غلاة مُحترقون، والذين ينظرون إلى الضفة إلّا كمساحة جغرافية لتنفيذ المشاريع الصهيونية.

استيطان ممنهج ومصادرة واسعة

في النصف الأول من 2025، تم تسجيل توسّع استيطاني هائل في الضفة، فخلال الأسابيع القليلة الماضية، أُعلن عن إقامة 22 بؤرة استيطانية جديدة، ومنذ بداية العام، صادرت إسرائيل نحو 40 ألف دونم، ليصل مجموع الأراضي المصادرة منذ تشكيل حكومة نتنياهو إلى 75 ألف دونم.

وفعليا، فإن عدد الوحدات الاستيطانية الجديدة تجاوزت 30 ألف وحدة، وهو رقم يكشف عن استراتيجية تسريع مدروس لتهويد الأرض، يترافق مع تغييرات جغرافية وديموغرافية واسعة، تهدف إلى خلق واقع يمنع أي إمكانية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

المستوطنون والجيش

الاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية تحوّلت إلى نمط ثابت، تُغذّيه شراكة غير معلنة مع الجيش الإسرائيلي. في بلدات مثل قرية سنجل، الطيبة، البرقا، سوسيا والمغيّر ومسافر يطّا وخِرَب الخليل، شنّ ويشنّ المستوطنون هجمات منظّمة، أسفرت عن مقتل فلسطينيين، وحرق منازل وممتلكات وتهجير دون محاسبة.

وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فقد تم توثيق ما يقارب 740 هجوماً من المستوطين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم منذ مطلع 2025؛ تمخّض عنها شهداء واستيلا على أراضيهم وسرقة مواشيهم بالآلاف أو قتلها.

الهدف من هذا الترهيب هو دفع الفلسطينيين إلى النزوح الطوعي، وبالتالي تسهيل السيطرة الكاملة على الأرض.

الرؤية الأمريكية الجديدة

لم يعد الدعم الأمريكي لإسرائيل مقتصراً على الغطاء الدبلوماسي، بل تحوّل إلى خطاب يكرّس الرواية الإسرائيلية وينكر النقيض الفلسطيني. فقد صرّح السفير الأمريكي لدى إسرائيل، «مايك هاكابي» في مقابلة علنية 2008 خلال حملته الإنتخابية «لا يوجد فعليا ما يُسمّى شعباً فلسطينياً، فهذه الهوية طُوّرت كأداة سياسية لانتزاع الأرض من إسرائيل» وأعاد تصريحه مجددا بشكل آخر، وهو تصريح يتجاوز حدود اللباقة الدبلوماسية بكثير، بل هو إنكارا فجّاً لوجود شعب يمتدّ تاريخه لآلاف السنين، مقابل كيان استعماري لا يتجاوز عمره ثمانية عقود، ما يجعل هذا التصريح امتداداً لفكر استعلائي استعماري لا يختلف عن نظريات محو الشعوب في أكثر لحظات التاريخ سواداً.

في ظل السياسات الإسرائيلية الاستيطانية والدعم الأمريكي الواسع، تشير المعطيات السياسية إلى أن هناك احتمالية كبيرة لأن تعكف إدارة ترامب على إعداد خطة رسمية للاعتراف بالضم الكامل للضفة الغربية، ضمن صفقة شاملة تشمل دعماً اقتصادياً إضافياً ومبادرات تطبيع إقليمي موسّعة. ما يعني أن تصويت الكنيست على الضّمّ، وما يدور الآن من إبادة جماعية في غزّة وهدم منازل واعتداءات وقضم أراضي شاسعة في الضفة، هو فعلياً تطبيق لخطة ترامب التي اقترحها في 2020، والمعروفة بـ «صفقة القرن»، والتي تشكّل اليوم الأرضية السياسية والقانونية التي تُمهّد لتكريس هذا المشروع الاستعماري بأشكاله الحديثة.

تشريع الضّمّ

لقد بدأ التوجه التشريعي منذ زمن، إذ بدأت إسرائيل بطرح 22 مشروع قانون في الكنيست تهدف إلى ضم الضفة الغربية بشكل رسمي. أحد هذه القوانين تم التصديق عليه، ويتعلّق بإلغاء الانفصال عن شمال الضفة الغربية وقطاع غزّة، وهذا قبل العدوان الإسرائيلي على غزّة، حسب الخبير بالشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى، بما يفتح الطريق أمام فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة؛ ضمن سياسة «فرض القانون الإسرائيلي على الأراضي المحتلة»، وهي مخالفة للقانون الدولي، وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة؛ القوانين التي تضربها إسرائيل بعرض الحائط.

تتجه الأنظار إلى العلاقة بين نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرّف، الذين يضغطون عليه لإكمال مشروع الضّمّ، وكخطوة بديهية يستخدم نتنياهو هذه الضغوط كورقة تفاوض للضغط على إدارة ترامب للاعتراف بالضّمّ، كما فعل حين اعترف الأخير بالقدس الشرقية عاصمة لإسرائيل.

سيناريوهات المستقبل

ضم تدريجي بصمت دولي، واستمرار القضم القانوني للأرض الفلسطينية تحت ذرائع أمنية وإدارية.

ردود فعل فلسطينية مقاومة مع تزايد احتمال اندلاع انتفاضة جديدة في ظل انسداد الأفق السياسي.

تصدّع الموقف العربي الرسمي وإحراج الدول المطبّعة، دون تغيير حقيقي في المواقف.

ازدياد العزلة الإسرائيلية، وعقوبات شكلية من الاتحاد الأوروبي دون خطوات فعلية.

الضفة أمام لحظة حاسمة

المشهد في الضفة الغربية في طريقه إلى تحوّل نوعي في بنية المشروع الصهيوني؛ يعتمد اليوم على أدوات قانونية وتشريعية تُصاغ داخل الكنيست، وتتغذّى من خطاب ديني متطرّف مرفوق بالدعم الأمريكي غير المسبوق. في ظل هذا الواقع، تبدو الدولة الفلسطينية أبعد من أي وقت مضى، بينما الأرض تتآكل تحت أقدام أصحابها، وتُعاد صياغة الجغرافيا ببنادق المستوطنين ووحشيتهم.

Ahmad.omari11@yahoo.de


الاثنين، 21 يوليو 2025

السويداء ضمن الخرائط الإسرائيلية الجديدة/أحمد سليمان العُمري

 

بسم الله الرحمن الرحيم


دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في ظل صيف ملتهب إقليميا، لم تكن الاشتباكات التي اندلعت في محافظة السويداء السورية مجرّد أزمة أمنية محلية بين قوات الأمن السوري والميليشيات الدرزية بإدارة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، بل هي فصلا من مشهد إقليمي بالغ الدلالة، تُستخدم فيه الورقة الطائفية أداة لاختراق ما تبقى من سيادة الدولة السورية، وإعادة رسم الخرائط بما يوافق أهدافا إسرائيلية باتت تُعلن دون مواربة.

الاشتباكات التي اندلعت قبل أيام، وانتهت بعد تدخل الطائرات الإسرائيلية باستهداف هيئة الأركان ومحيط القصر الجمهوري في دمشق، كشفت عن حجم الاختراق الصهيوني للمعادلة السورية الداخلية.

لقد كان القصف خطوة محسوبة لفرض واقع سياسي وأمني جديد في الجنوب السوري، وهو ما تمخّض عنه اتفاق تهدئة أدى إلى انسحاب قوات الأمن السورية من محافظة السويداء؛ استجابة للوساطة الأمريكية العربية.

ما يجري في الإقليم اليوم ليس إلا فصلا جديدا من مشروع أكبر يُراد له أن يُفكك وحدة الدولة السورية، ويُغرق المنطقة في حالة دائمة من العجز عن تشكيل موقف موحّد أو ردع جماعي جرّاء تدخلات إسرائيلية مباشرة وصريحة في سوريا، حتى أصبح التدخّل يتكرر في وضح النهار، تحت أعين العالم، وفي صمت لافت من بعض العواصم المؤثّرة.

ورقة الطائفية

الزج بأسماء مثل الهجري وغيره، سواء كانوا مدفوعين أو مدفوعا بهم، ليس إلّا توظيفا لشخصيات محلية ضمن خارطة صراع إقليمي يُدار من خارج الحدود، ولا يمكن فصله عن مشروع إسرائيلي قديم متجدّد، يعمل على إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم أجندته وتفوقه، ويضمن تفتيت النسيج السياسي والاجتماعي من الأناضول إلى الخليج.

أما من يظن أن إسرائيل تتدخّل في سوريا لنجدة أحد من مكونات المجتمع، فهو إمّا غافل لا يدرك طبيعة هذا الكيان، أو أنه جزء من اللعبة ذاتها. إسرائيل لا تنصر عربيا ولا مسلما، ولا تدافع عن مظلوم، بل تقتات على القتل والفوضى والانقسام، وتستثمر في كل صراع داخلي لتوسيع نفوذها وتصفية حساباتها الاستراتيجية.

المعادلة أصبحت أكثر وضوحا: إمّا أن تقف مع الدولة السورية - رغم كل ما يمكن أن يُقال عنها - بما تمثّله من استمرارية للبنية السيادية، أو أن تبارك مشروع التقسيم والتفكيك الذي باتت أطرافه الإقليمية والدولية معروفة بالاسم والعنوان.

سوريا هنا ليست ساحة صراع، بل اختبار لحصانة الدولة العربية الحديثة في مواجهة الانهيار التدريجي.

ممر داود

لا ينفصل ما جرى ويجري عن الحديث المتكرر في الأوساط الإسرائيلية عن مشروع «ممر داود»، وهو المسار الذي أعلنته أدبيات صهيونية مبكرة. ففي مُذكّرات «حاييم وايزمان» (أول رئيس لإسرائيل) أشار إلى توجهات استراتيجية توسّعية للحدود، التي يراها الكيان الصهيوني طبيعية، تشمل مناطق واسعة تمتد من سفوح لبنان إلى أجزاء من سوريا، وذلك لضمان وجود دائم وآمن في المنطقة ضمن مشروع الحركة الصهيونية. 

ووقفا لتقارير وتحليلات عسكرية إسرائيلية منشورة في بعض الأوساط، يُعتقد أن الممر الشرقي «الآمن» يمتد من الجولان عبر السويداء إلى البادية السورية والأردن كجزء من مفهوم العمق الاستراتيجي.

أمّا «نتنياهو» فصرّح في ديسمبر/كانون الأول 2024 أن إسرائيل ستبقى في جبل الشيخ حتى يتم التوصّل إلى ترتيب آخر، بينما شدد وزير الخارجية «جدعون ساعر» الشهر الماضي على أن هضبة الجولان ستظلّ جزءا من إسرائيل في أي اتفاق سلم.

وفي سياق متصل، أعدت شبكة الجزيرة الإخبارية تحقيقا عن «ممر داوود»، إضافة إلى تقرير آخر نشره موقع «ذا كرادل» الإنجليزي في 4 نيسان/أبريل 2025، قال فيه إن الهدف الخفي لإعادة رسم المشرق يُصوَّر كمسار جغرافي استراتيجي، يمتد من الجولان السوري المحتل، مرورا بجنوب سوريا (السويداء ودرعا)، ثم عبر منطقة التنف والبادية السورية، وصولا إلى دير الزور والحدود العراقية ـ السورية ضمن مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ثم ينتهي في إقليم كردستان العراق.

وتكمن أهمية هذا الخط في ربط الجغرافيا المشتتة بقوس نفوذ إسرائيلي غير معلن، يعتمد على تحالفات محلية لتأمين المسار وتمرير السردية الاسرائيلية بعيدا عن العواصم الرسمية، وهو ما يُعد امتدادا عمليا لمفهوم «إسرائيل الكبرى» الذي يستند إلى رؤية توراتية للنفوذ من نهر النيل إلى نهر الفرات.

من الجولان إلى كردستان

من خلال ممر داود، يُراد السيطرة على المثلث الحيوي السوري - الأردني - العراقي، وربطه بنفوذ تل أبيب عبر تحالفات غير مُعلنة مع قوى محلية، تحت شعارات مثل «حماية الأقليات» أو «منع تمدد النظام السوري»، لكن الحقيقة أن ذلك يستهدف تفتيت الدولة السورية، وحرمانها من أي قدرة على تمكينها من الوحدة الوطنية مستقبلا.

التزامن بين ما يجري في السويداء، مع الأعمال الإسرائيلية الأخيرة بشأن قضم آلاف الدونمات في الضفة الغربية، وهدم المنازل الفلسطينية وبناء المستعمرات، يكشف عن خطة شاملة لا تستهدف فلسطين وحدها، بل كل ما تبقى من بنى سيادة عربية، وكأن المخطط الصهيوني قد بدأ بمرحلة التنفيذ الكامل، بعد عقود من التمهيد والحصار والإضعاف.

اللحظة الحرجة

في مواجهة هذا الواقع، لا مجال للحياد أو للقراءة العاطفية، فإمّا الوقوف في خندق حماية الدولة - أيًّا كانت تحفظاتنا عليها - أو أن نغرق في وهم الحياد، بينما يتآكل الوطن قطعة قطعة.

المشروع الصهيوني اليوم لا يُخفي نواياه، بل يمضي علنا في تنفيذ ما عجز عنه لعقود: تفكيك الدولة السورية، وضرب وحدة أراضيها، وتسويق الانقسام باعتباره «حقّا» لمكوّنات مجتمعية يتم تأهيلها سياسيا وعسكريا لتكون بديلا عن الدولة الأم.

الصراع في سوريا اليوم هو صراع مشاريع توسّعية وليس طائفية كما يروّج لها. مشروع الدولة الواحدة والسيادة المستقلّة، في مواجهة مشروع التفتيت والهيمنة، وهذا الصراع لم يعد مؤجّلا، بل يُحسم الآن؛ في الجولان، في السويداء، وفي كل حجر تهدمه الجرافات الإسرائيلية في فلسطين.

Ahmad.omari11@yahoo.de

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .